التواصل في المنظمات

يعد التواصل بين الأفراد في المنظمة ،عاملا أساسيا ،في بناء، وتشكل الكيانات الاجتماعية .وذلك من خلال اعتماد الطرق والآلية المناسبة للتواصل مع الآخر قصد تبليغ مضمون معين على أساس إن العملية الاتصالية لا تحدث عن فراغ وإنما تكون محملة برسالة لها معنى قصدي وفق مرجعية اجتماعية وثقافية يتم صياغتها والإعداد لها من خلال رموز لغوية بصرية أو صوتية أو إيماءات ،تكون مفهومة وقابلة للقراءة التأويلية من طرف الآخر .وذلك لبناء مجال اجتماعي مشترك يساعد على قيام علاقات اجتماعية تساعد على الاندماج والتعاون والتكيف وتحترم الخصوصيات وتنمي الهويات الفردية والاجتماعية والمهنية . والتواصل في التنظيمات المهيكلة بالمجتمع ليس عملية تقنية محايدة بل طرف ايجابي له دور في التأسيس لعملية الجمعنة ، بل وله أهمية في وصف وفهم البناء الاجتماعي والتنبؤ لسلوكيات الفاعلين الاجتماعيين.

التواصل ، حالة اجتماعية تتحقق من خلال انساق متعددة ينسج الأفراد داخلها سلسلة من العلاقات من طبائع مختلفة : اللغة والنسب والجوار والتصاهر والحاجات الاقتصادية. ¹

كما يشير الطرح الأنتروبولوجي أنه من خلال التواصل يمكن إدراك سر الترابط الاجتماعي وكنه الصيرورة التي من خلالها يتعلم الإنسان كيف ينتمي إلى ثقافة مجتمع ما ويصبح جزءا منها من خلال سلسلة من الطقوس التي تغطي جميع مناحي الحياة العملية والرمزية .²

فالتواصل الاجتماعي هو حينما تتحول داخله الطقوس والعادات وردود الفعل الجماعية كأشكال تواصلية تعكس العمق الثقافي للجماعة .³

وفي المؤسسة الخدماتية للتواصل الاجتماعي أهمية مركزية في نجاحها وفهم حقيقة احتياجات جمهورها وتعزيز مكانتها .وفي هذا يقول ميشال كروزيه : "إن المشكل الأساسي للمؤسسات الحديثة هو الاستماع للحقيقة ". ⁴

طرح اليكس مشيلي A.mucchielli مجموعة من الرهانات تخص العملية التواصلية وهي :

- الرهان الأول وهو رهان إعلامي ، بحيث يقوم بنقل ونشر المعلومات والأخبار كما تفعل الصحافة بمختلف الوسائل .

- الرهان الثاني وهو رهان التموقعات ،والتي يقوم بها أطراف العملية التواصلية في الحياة اليومية ،حيث يكون التواصل على شكل تمظهرات حسب دور ومكانة كل طرف ، وسيكون الهدف من العملية تقديم صورة متميزة عن الذات ، وتبرير مواقفها ، والدفاع عما يميزها كهوية .

- الرهان الثالث هو رهان التأثير ، إذ يتعلق بالتأثير في الآخر وإقناعه ، بل وإغراءه وتمويه الحقيقة عليه بهدف جعله مشاركا في الرأي وذلك وفق قوة توظيف الحجاج كأداة ضرورية في العملية التواصلية لتحقيق التأثير .

- الرهان الرابع هو الرهان العلائقي، ويهدف إلى تنظيم العملية التواصلية ، ذلك أن العلاقة بين شخصين نادرا ما تكون تلقائية وبسيطة وهادئة ، فهي تتسم في الغالب بعدم الاستقرار على مستوى السلوك ن وبالصراع على المستوى العاطفي والفكري . وهنا تبرز ضرورة وضع قواعد لتنظيم عملية التواصل وإخضاعها للآداب المجاملة والحوار .لضمان استمرارية التواصل والحفاظ على الروابط الوجدانية والاجتماعية بين أطراف العملية التواصلية .

- الرهان الخامس هو رهان معياري ، ويخص آفاق العلاقة الإنسانية التي تتلخص في ضرورة بناء مجتمع حواري يوجهه مبدأ قبول الآخر المختلف .فالتواصل ، وإن كان ينطلق من إستراتيجية تأكيد الذات والتأثير في الآخر ، فانه يهدف في العمق إلى بناء مايسميه هبرماس بالفضاء العمومي كفضاء للعلاقات القائمة على الاختلاف والحوار وسيادة روح الديمقراطية والتسامح ، وإعادة الاعتبار إلى الذات الفاعلة في فضاء المجتمع ومؤسساته. ⁵

أ‌. احمـــــــد بجاج

1 سعيد بن كراد ، استراتيجيات التواصل ، مجلة علامات الالكترونية ، المغرب ،العدد21، السنة 2004،ص 1-9.  الموقع www.saidbengrad.com

² نفس المصدر .

³ نفس المصدر ص 6.

⁴ بلقاسم سلاطنية واخرون ، علم الاجتماع الإعلام ،دار الفجر للنشر والتوزيع ،القاهرة ،2012،ص 162.

⁵ بتصرف ،الجابري محمد عابد ، مصدر سابق ، ص 23.